أبرز الجسور في السعودية
شهدت المملكة العربية السعودية خلال العقود الأخيرة طفرة نوعية في مشاريع البنية التحتية، شملت التطوير الجذري لشبكات الطرق والأنفاق والجسور. وقد لعبت الجسور دور بالغ الأهمية في هذا التحوّل، بوصفها حلول هندسية لتسهيل الحركة المرورية، وكمنشآت ذات بعد اقتصادي واستراتيجي وسياحي يعكس قوة المملكة ورؤيتها لتطوير مدن عصرية مترابطة وذات جودة حياة تنافس أفضل مدن العالم.
اليوم تضم السعودية آلاف الجسور تمتد عبر المدن والجبال والأودية والسواحل، إلا أن بعض هذه الجسور اكتسب شهرة خاصة وارتبط بأرقام غير مسبوقة من حيث الطول أو الارتفاع أو القدرات الاستيعابية. في هذا المقال نستعرض أبرز الجسور في المملكة، من حيث الأرقام والمكانة والتاريخ والدور التنموي.

جسر شُورى العائم في البحر الأحمر: أطول جسر مائي في المملكة
يُعد جسر "شُورى" الواقع ضمن مشروع البحر الأحمر واحد من أهم الإنجازات الهندسية الحديثة في المملكة. يأتي هذا الجسر ليصل البر الرئيسي بجزيرة شُورى، الوجهة الرئيسية للمشروع السياحي العملاق على البحر الأحمر.
ما يميز الجسر أنه أطول جسر مائي يتم تشييده في السعودية بطول يصل إلى نحو 3.3 كيلومترات، إضافة إلى كونه صُمّم وفق معايير بيئية صارمة لضمان عدم الإضرار بالمنظومة البحرية الغنية بالشعاب المرجانية والحياة البحرية.
يتكوّن الجسر من أكثر من 600 كتلة خرسانية مسبقة الصنع، يصل وزن بعضها إلى 400 طن، ويضم حارات للسيارات ومسارات مخصّصة للمشاة والدراجات. من الناحية التصميمية، يمثّل الجسر نقلة في مفهوم الإنشاءات الساحلية صديقة البيئة، إذ تم تنفيذ العمل بطريقة تقلل الحفر والتجريف في قاع البحر وتحافظ على الحياة الفطرية.
الجسر يمثل عنصر جمالي من معالم الوجهة السياحية التي تهدف إلى استقطاب ملايين الزوار سنوياً، وهذا جعله جسر استراتيجي وسياحي في الوقت ذاته.
جسر الملك فهد: معلم تاريخي يربط دولتين
يُعد جسر الملك فهد أحد أهم وأشهر الجسور في المنطقة وأبرزها على المستوى العربي، فهو يربط بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين بطول يصل إلى حوالي 25 كيلومتر.
افتُتح الجسر عام 1986 بعد سنوات من العمل المستمر، ويُعد شريان اقتصادي وتاريخي يعبره الملايين سنوياً من الزوار والمقيمين والمسافرين. يتكوّن الجسر من خمسة أجزاء رئيسية مدعومة بأكثر من 500 دعامة خرسانية، واستخدم في بنائه أكثر من 350 ألف متر مكعب من الخرسانة و147 ألف طن من الفولاذ.
أصبح الجسر مع الوقت محور لربط اقتصادي وتجاري وتنقل ثقافي واجتماعي، ويمثل اليوم أحد أهم المعالم التي تشهد على قوة العلاقات السعودية البحرينية وعلى التطور المبكر للبنية التحتية في المملكة.
جسر الجمرات في منى: هندسة من أجل ملايين الحجاج
يعد جسر الجمرات واحد من أكثر الجسور شهرة وخصوصية في العالم، بطوله وارتفاعه وبدوره الحيوي في إدارة الحشود خلال موسم الحج الأكبر عالمياً.
صُمّم الجسر ليستوعب ملايين الحجاج الذين يؤدون شعيرة رمي الجمرات في مساحة محدودة وفي زمن قصير، الأمر الذي جعله مشروع استثنائي على مستوى الهندسة وإدارة الكثافة البشرية.
شهد الجسر عدة توسعات، أكبرها خلال العقدين الأخيرين، ليصبح مبنى متعدد الطوابق يتيح مرونة كبيرة في الحركة واتساع يسمح باستيعاب مئات الآلاف في الساعة.
تبلغ أطوال الجسر التقريبية نحو 380 متر، ويضم أكثر من مستوى واحد مع مداخل ومخارج موزّعة لضمان تدفق الحشود بسهولة ومن دون اختناقات.
يمثل جسر الجمرات نموذج عالمي لإدارة التجمعات الضخمة، ويدرس اليوم في جامعات ومنشآت تخطيط المدن وعلوم الإدارة، نظراً لنجاحه في خدمة شعيرة دينية مع الحفاظ على أعلى مستويات السلامة.
جسر صفوى – رأس تنورة من الشرق: رئة لوجستية جديدة
في المنطقة الشرقية، جاء افتتاح جسر "صفوى، رأس تنورة" ليشكّل إضافة مهمة لشبكات الطرق ضمن واحدة من أكثر مناطق المملكة حيوية اقتصاديًا.
المميز في المشروع أن الجزء البحري من الجسر يمتد لمسافة تصل إلى 3.2 كيلومترات، ضمن طريق إجمالي يبلغ نحو 15 كيلومتر، وهو من أبرز الجسور البحرية الحديثة في السعودية.
يعزز الجسر الربط الحركي بين مدينة صفوى ومحافظة رأس تنورة، ويدعم تنقل العاملين في الصناعات النفطية والموانئ، ويختصر الزمن اللازم لنقل البضائع والخدمات اللوجستية في واحدة من أهم مناطق الطاقة في المملكة.
يتوقع أن يشكل الجسر عامل أساسي في تخفيف الضغط المروري وتحسين الكفاءة الاقتصادية في المنطقة.
الجسور المعلّقة في مشروع "فور سيزونز جدة": أعلى جسور سكنية معلّقة في الشرق الأوسط
في جدة، برزت الجسور المعلّقة التي تربط أبراج مشروع فور سيزونز كأحد أبرز الإنجازات المعمارية الحديثة، حيث ترتفع الجسور إلى نحو 130 متر فوق سطح الأرض بطول يبلغ حوالي 60 متر لكل جسر.
هذه الجسور تمثل أفكار معمارية تعكس القفزة الحديثة في قطاع التطوير العقاري في المملكة، وتضع جدة ضمن المدن التي تشهد تنفيذ مشاريع تتنافس عالمياً في التصميم والإبهار البصري.
دور الجسور في رؤية 2030
لا يمكن النظر إلى هذه المشاريع بصورة منفصلة؛ فهي جزء من رؤية وطنية تستهدف:
- تطوير البنية التحتية لمواكبة المدن المستقبلية
- تحسين جودة الحياة في المدن
- زيادة كفاءة النقل وتخفيف الازدحام
- تعزيز التنمية السياحية والصناعية
- توفير مشاريع عمرانية بمعايير عالمية
- خلق بيئة تشغيلية متقدمة تدعم الاقتصاد المتنوع
الجسور هي مؤشرات على مستوى التطور والتخطيط والجاهزية الهندسية والقدرة التنفيذية للمملكة، وقدرتها على بناء منشآت في مواقع جغرافية مختلفة، بعضها بحري، وبعضها جبلي، وبعضها في قلب مدن مكتظة بالسكان.
تمثل الجسور في السعودية قصة هندسية وإنشائية تجد فيها الجمال العمراني والإنجاز التقني والتخطيط العملي. فمن جسر الملك فهد الذي يربط بين دولتين، إلى جسر الجمرات الذي يخدم ملايين الحجاج، إلى الجسور البحرية الحديثة التي تولد حركة اقتصادية جديدة… كلها أمثلة حيّة على مسيرة تقدّم مستمرة.
وبين حاضر يزدهر ومشاريع مستقبلية يجري تنفيذها في مختلف المناطق، تستمر المملكة في كتابة فصل جديد من التاريخ الهندسي والمعماري الذي يعكس طموحها ورؤيتها لبناء وطن حديث قادر على التنافس عالمياً في كل المجالات.