موسم سباقات الرياض

 

تُعد سباقات الخيل ركيزة أساسية في أي رزنامة رياضية في منطقة الخليج. ورغم تنامي شعبية الفعاليات الرياضية العالمية مثل فنون القتال المختلطة والتنس، واستضافتها بانتظام في أنحاء المنطقة، فإن الرياضات التقليدية ما تزال تتصدّر المشهد وتحافظ على مكانتها. وتتمتع المملكة العربية السعودية بتاريخ عريق في سباقات الخيل يعود إلى أيام ترحال القبائل البدوية في أرجاء البلاد. وما بدأ بوصفه اختبار بسيط لقوة الخيول وقدرتها، تطور ليغدو أحد أرقى الأحداث الرياضية في العالم، وفي مقدمته كأس السعودية، الذي يمثل ذروة الموسم ويتميز بجائزة مالية ضخمة تبلغ 20 مليون دولار.

ومع انطلاق موسم سباقات الرياض رسمياً منذ منتصف أكتوبر، نُلقي نظرة أقرب على هذه الفترة المشوقة من العام في عاصمة المملكة العربية السعودية.

 

موسم سباقات الرياض

 

متى يُقام موسم سباقات الرياض؟

خلال أشهر الشتاء، تكون منطقة الشرق الأوسط في أوج حيويتها، حيث تتنوع الفعاليات الخارجية بين أنشطة ذات طابع خاص، ومهرجانات عائلية، وبطولات رياضية مثل الغولف، وبالطبع سباقات الخيل. ويُعرف هذا الموسم في العاصمة السعودية، على نحو غير رسمي، باسم موسم سباقات الرياض، ويمتد من أواخر أكتوبر أو أوائل نوفمبر حتى نهاية فبراير، متضمناً سلسلة من السباقات التي تُقام في عطلة نهاية كل أسبوع، إلى جانب عدد من البطولات الكبرى التي تمهد للوصول إلى كأس السعودية.

انطلق موسم سباقات 2025 في 16 أكتوبر، ويُختتم في 14 فبراير، وقد جرى توقيت نهايته عمداً قبل حلول شهر رمضان المبارك، المتوقع أن يبدأ في الأسبوع الذي يلي السباق الختامي. ويتكون الموسم من 50 ملتقى سباق، تُقام خلالها 12 شوط أسبوعي أيام الخميس والجمعة والسبت في ميدان الملك عبدالعزيز لسباقات الخيل (المعروف أيضاً باسم حقل الملك عبدالعزيز للفروسية).

وإلى جانب السباقات الأسبوعية، تتضمّن أجندة الموسم ثلاثة أحداث كبرى تُقام في شهري ديسمبر ويناير، تمهيداً للحدث الختامي في فبراير، وهي: ليلة كؤوس ولي العهد في 5 ديسمبر، وعطلة نهاية أسبوع الكؤوس الملكية في 26 و27 ديسمبر، وعطلة نهاية أسبوع التجارب المؤهلة لكأس السعودية في 16 و17 يناير، والتي تشهد إقامة كأس خادم الحرمين الشريفين وكأس الملك عبدالعزيز. كما تستضيف تلك العطلة التصفيات المؤهلة لعدد من البطولات الأخرى، من بينها كأس نيوم للعشب، وسباق الرياض للسرعة على المضمار الرملي، وهانديكاب البحر الأحمر.

 

تجربة تتجاوز سباقات الخيل

تُقام جميع سباقات الموسم في ميدان الملك عبدالعزيز للفروسية، وهو الأكبر في المملكة العربية السعودية، إذ يمتد على مساحة تبلغ 9 كيلومترات مربعة. ويضم الميدان مضمارين مختلفين: المضمار الرملي الرئيسي بطول 2000 متر، ومضمار عشبي بطول 1800 متر أُضيف في عام 2019. ويحظى المضمار الرملي بتقدير خاص من قِبل الفرسان والمدربين، لما يتميز به من سطح متجانس يوفر ساحة منافسة متكافئة لجميع المشاركين.

وإلى جانب تذاكر الدخول العامة، تتوافر للزوار عدة خيارات مُصممة خصيصاً للاستمتاع بالموسم على أكمل وجه. إذ تحول صالة المشاهدة كل سباق إلى حدث سينمائي، بفضل وجود 200 مقعد فخم، وفريق خدمة مخصص، وقائمة طعام واسعة ومتنوعة. كما يمكن حجز طاولة في مطعم قاعة النادي لقضاء أمسية مميزة مع إطلالة مباشرة على خط النهاية، أثناء الاستمتاع ببوفيه متكامل.

وللباحثين عن تجربة حصرية، يمكن استئجار الجناح الملكي، وهو مبنى من أربعة طوابق يستضيف سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال عطلة نهاية أسبوع كأس السعودية، وذلك لإقامة فعاليات خاصة أو مناسبات للشركات. ويستمتع الضيوف بمتابعة السباقات من غرف أنيقة، أو من التراس العلوي، أو من الحدائق، مع إمكانية إقامة فعاليات رسمية كالمؤتمرات في الطوابق الأخرى في الوقت ذاته. أما التجربة الأرقى على الإطلاق، فهي جناح الثريا الذي يمكن استئجاره طوال الموسم؛ إذ يستوعب 35 ضيف خلال 14 ليلة سباق، بما فيها عطلة نهاية أسبوع كأس السعودية، ويضم مساحات فاخرة تشمل غرف خاصة، وتراس للمشاهدة، وخدمات متكاملة داخل الجناح، إلى جانب خدمات الضيافة والتموين.

ومن الإضافات المشوقة في موسم 2025 فعالية ليلة الجمعة تحت الأضواء، التي تُقام مساء كل يوم جمعة من أواخر نوفمبر حتى نهاية يناير. وتشمل سباقات مسائية على مضمار مُضاء بالكشافات، وأكشاك طعام راقية، وعروض ترفيهية حية، إلى جانب باقة من الأنشطة العائلية التي تستقطب الأطفال بشكل خاص، ما يفتح الميدان أمام شريحة أوسع من الجمهور ويجعله وجهة موسمية مفضلة للعائلات المقيمة في المدينة أو الزائرة لها.

 

تاريخ سباقات الخيل في الرياض

كانت القبائل البدوية الرحل التي ازدهرت قديماً في المنطقة تمارس سباقات الخيل بوصفها منافسات ودية بين الفرسان، غير أن أول السباقات المنظمة أُقيمت في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في عشرينيات القرن الماضي. فقد كان الملك، المعروف بشغفه الكبير بالخيل العربية الأصيلة، ينظم مسابقات غير رسمية بين أبنائه في أحد أحياء الرياض الصحراوية آنذاك. وكانت تلك السباقات تُشاهَد من فوق تل وتنتهي عنده، وهو الموقع ذاته الذي أصبح لاحقاً موضع أول ميدان رسمي لسباقات الخيل في المملكة.

استغرق الأمر أربعة عقود أخرى حتى أصبحت سباقات الخيل نشاط منظم رسمياً، وذلك مع تأسيس نادي الفروسية، المعروف اليوم باسم نادي سباقات الخيل السعودي، عام 1965 بموجب مرسوم ملكي صادر عن الملك فيصل بن عبدالعزيز، وبالتزامن مع إنشاء ميدان الملك خالد لسباقات الخيل في منطقة الطائف. ورغم أن السباقات كانت تُعد آنذاك نشاط ترفيهي خفيف، فإن شعبيتها شهدت نمو متسارع عبر العقود، و استقطبت أعداد متزايدة من الفرسان المحليين والدوليين على حد سواء. ومع هذا التوسع، أصبحت الحاجة إلى التطوير أمراً حتمي، غير أن الموقع السكني للميدان جعل عملية التوسعة تحدي صعب نوعاً ما. وعلى إثر ذلك، اتجهت الأسرة المالكة إلى الشمال الشرقي، حيث تم افتتاح ميدان جديد لسباقات الخيل في منطقة الجنادرية عام 2003.

وحمل هذا الميدان اسم ميدان الملك عبدالعزيز للفروسية، ليغدو لاحقاً القلب النابض لسباقات الخيل في المملكة العربية السعودية، ومسرح لأغلى سباق في العالم، وهو كأس السعودية.

أُقيم كأس السعودية للمرة الأولى في فبراير 2020، وأصبح منذ ذلك الحين ذروة الموسم السنوي لسباقات الخيل، ومحط أنظار المشاركين لما يتمتع به من جائزة مالية قياسية تبلغ 20 مليون دولار. ويستضيف السباق أكبر عدد من المشاركات الدولية مقارنة بغيره من السباقات، وهذا يوفر منصة عالمية فريدة لعشاق سباقات الخيل. وقد حققت النسخة الافتتاحية نجاح باهر، وبعد فترة توقف قصيرة فرضتها الاحتياطات المرتبطة بجائحة كورونا، عاد الحدث ليحتل مكانته بوصفه أكثر الفعاليات ترقباً على مدار العام.

 

يشكل موسم سباقات الخيل في الرياض أحد أبرز محطات أجندة الفعاليات في العاصمة السعودية منذ إنشاء ميدان الملك عبدالعزيز لسباقات الخيل. فباستضافته نخبة من أرقى السباقات العالمية، وتوفيره باقة متنوعة من التجارب التي تتيح للزوار الاستمتاع بوقتهم في الميدان، يفتح هذا الموسم نافذة واسعة على جانب أصيل من الثقافة الرياضية في المملكة العربية السعودية.